فصل: الشاهد الحادي بعد الأربعمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.استيلاء عماد الدين زنكي على حمص وغيرها من أعمال دمشق.

ثم سار أتابك زنكي إلى حمص في شعبان سنة إحدى وثلاثين وقدم إليه حاجبه صلاح الدين الباغيسياني وهو أكبر أمرائه مخاطيا واليها معين الدين انز في تسليهما فلم يفعل وحاصرها فامتنعت عليه فرحل عنها آخر شوال من السنة ثم سار سنة اثنتين وثلاثين إلى نواحي بعلبك فملك المحولي على الأمان وهو لصاحب دمشق ثم سار إلى حمص وحاصرها وعاد ملك الروم إلى حلب فاستدعى الفرنج وملك كثيرا من الحصون مثل عين زربة وتل حمدون وحصر إنطاكية ثم رجع وأفرج أتابك زنكي خلال ذلك عن حمص ثم عاود منازلتها بعد مسير الروم وبعث إلى شهاب الدين صاحب دمشق يخطب إليه أمه مرد خاتون ابنة جاولي طمعا في الاستيلاء على دمشق فزوجها له ولم يظفر بما أمله من دمشق وسلموا له حمص وقلعتها وحملت إليه خاتون في رمضان من السنة والله أعلم.

.مقتل شهاب الدين محمود وولاية أخيه محمد.

لما قتل شهاب الدين محمود في شوال سنة ثلاث وثلاثين إغتاله ثلاثة من مواليه في مضجعه بخلوته وهربوا فنجا واحد منهم وأصيب الآخران كتب معين الدين أنز إلى أخيه شمس الدين محمد بن بوري صاحب بعلبك بالخبر فسارع ودخل دمشق وتبعه الجند والأعيان وفوض أمر دولته إلى معين الدين أنز مملوك جده وأقطعه بعلبك واستقامت أموره.

.استيلاء زنكي على بعلبك وحصاره دمشق.

ولما قتل شهاب الدين محمود وبلغ خبره إلى أمه خاتون زوجة أتابك زنكي بحلب عظم جزعها وأرسلت إلى زنكي بالخبر وكان بالجزيرة وسألت منه الطلب بثأر إبنها فسار إلى دمشق واستعدوا للحصار فعدل إلى بعلبك وكانت لمعين الدين أنز كما قلناه وكان أتابك زنكي دس إليه الأموال ليمكنه من دمشق فلم يفعل فسار إلى بلده بعلبك وجد في حربها ونصب عليها المجانيق حتى استأمنوا إليه وملكها في ذي الحجة آخر سنة ثلاث وثلاثين واعتصم جماعة من الجند بقلعتها ثم استأمنوا فقتلهم وأرهب الناس بهم ثم سار إلى دمشق وبعث إلى صاحبها في تسليمها والنزول عنها على أن يعوضه عنها فلم يجب إلى ذلك فزحف إليها ونزل داريا منتصف ربيع الأول سنة أربع وثلاثين وبرزت إليه عساكر دمشق فظفر بهم وهزمهم ونزل المصلي وقاتلهم فهزمهم ثانيا ثم أمسك عن قتالهم عشرة أيام وتابع الرسل إليه بأن يعوضه عن دمشق ببعلبك أو حمص أو ما يختاره فمنعه أصحابه فعاد زنكي إلى القتال واشتد في الحصار والله سبحانه وتعالى أعلم وبه التوفيق.

.وفاة جمال الدين محمد بن بوري وولاية إبنه مجير الدين أنز.

ثم توفي جمال الدين محمد بن بوري صاحب دمشق رابع شعبان سنة أربع وثلاثين وزنكي محاصر به وهو معه في مراوضة الصلح وجمع زنكي فيما عساه أن يقع بين الأمراء من الخلاف فاشتد في الزحف فما وهنوا لذلك وولوا من بعد جمال الدين محمدا إبنه مجير الدين أنز وقام بتربيته وتدبير دولته معين الدين أنز مدبر دولته وأرسل إلى الإفرنج يستنجدهم على مدافعة زنكي على أن يحاصر قاشاش فإذا فتحها أعطاهم إياها فأجابوا إلى ذلك حذرا من استطالة زنكي بملك دمشق فسار زنكي للقائهم قبل إتصالهم بعسكر دمشق ونزل حوران في رمضان من السنة فخام الإفرنج عن لقائه وأقاموا ببلادهم فعاد زنكي إلى حصار دمشق في شوال من السنة ثم أحرق قرى المرج والغوطة ورحل عائدا إلى بلده ثم وصل الإفرنج إلى دمشق بعد رحيله فسار معهم معين الدين أنز إلى قاشاش من ولاية زنكي ليفتحها ويعطيها للافرنج كما عاهدهم عليه وقد كان واليها أغار على مدينة صور ولقيه في طريقه صاحب إنطاكية وهو قاصد إلى دمشق لإنجاد صاحبها علي زنكي فقتل الوالي ومن معه من العسكر ولجأ الباقون إلى قاشاش وجاء معين الدين أنز أثر ذلك في العساكر فملكها وسلمها للافرنج وبلغ الخبر إلى أتابك زنكي فسار إلى دمشق بعد أن فرق سراياه وبعوثه على حوران وأعمال دمشق وسار هو متجردا إليها فصبحها وخرج العسكر لقتاله فقاتلهم عامة يومه ثم تأخر إلى مرج راهط وانتظر بعوثه حتى وصلوا إليه وقد امتلأت أيديهم بالغنائم ورحل عائدا إلى بلده.

.مسير الإفرنج لحصار دمشق.

كان الإفرنج منذ ملكوا سواحل الشام ومدنه تسير إليهم أمم الإفرنج من كل ناحية من بلادهم مددا لهم على المسلمين لما يرونه من تفرد هؤلاء بالشام بين عدوهم وسار في سنة ثلاث وأربعين ملك الالمان من أمراء الإفرنج من بلاده في جموع عظيمة قاصدا بلاد الإسلام لا يشك في الغلب والإستيلاء لكثرة عساكره وتوفر عدده وأمواله فلما وصل الشام اجتمع عليه عساكر الإفرنج الذين له ممتثلين أمره فأمرهم بالمسير معه إلى دمشق فساروا لذلك سنة ثلاث وأربعين وحاصروها فقام معين الدن أنز في مدافعتهم المقام المحمود ثم قاتلهم الإفرنج سادس ربيع الاول من السنة فنالوا من المسلمين بعد الشدة والمصابرة واستشهد ذلك اليوم الفقيه حجة الدين يوسف العندلاوي المغربي وكان عالما زاهدا وسأله معين الدين يومئذ في الرجوع لضعفه وسنه فقال له قد بعت واشترى مني فلا أقيل ولا أستقيل يشير إلى آية الجهاد وتقدم حتى استشهد عند أسرت على نصف فرسخ من دمشق واستشهد معه خلق وقوي الإفرنج ونزل ملك الألمان الميدان الأخضر وكان عماد الدين زنكي صاحب الموصل قد توفي سنة إحدى وأربعين وولي إبنه سيف الدين غازي الموصل وإبنه نور الدين محمود حلب فبعث معين الدين أنز إلى سيف الدين غازي صاحب الموصل يستنجده فجاء لإنجاده ومعه أخوه نور الدين وانتهوا إلى مدينة حمص وبعث إلى الإفرنج يتهددهم فاضطروا إلى قتاله وانقسمت مؤنتهم بين الفريقين وأرسل معين الدين إلى الألمان يتهددهم بتسليم البلد إلى ملك المشرق يعني صاحب الموصل وأرسل إلى فرنج الشام يحذرهم من إستيلاء ملك الإلمان على دمشق فإنه لا يبقى لكم معه مقام في الشام ووعدهم يحصن قاشاش فاجتمعوا إلى ملك الألمان وخوفوه من صاحب الموصل أن يملك دمشق فرحل عن البلد وأعطاهم معين الدين قلعة قاشاش وعاد ملك الألمان إلى بلاده على البحر المحيط في أقصى الشمال والمغرب ثم توفي معين الدين أنز مدبر دولة أرتق والمتغلب عليه سنة أربع وأربعين لسنة من حصار ملك الألمان والله أعلم.